
الفصل العشائري في العراق أحد أوجه الفشل الرهيب
في دليل فاضح على ضعف سلطة القانون في العراق اليوم، تقوم التجمعات العشائرية بالتمدد في الفراغ الذي لا يشغله القانون، و إذا ما عرفنا إن العراق مبتلى بمنظومتين متخلفتين تتحكمان بشعبه، الأولى هي المنظومة الدينية وتحدثت عنها كثيرا، أما الثانية فهي المنظومة العشائرية.
عدم تطبيق القانون بشكل صحيح أدّى إلى أن تقوم هذه التجمعات العشائرية بتنظيم نفسها في تجمعات يقوم بإستدعائها المنتمين إليها وحتى الداخلين تحت خيمتها (بعد دفع اجور معينة) متى ما شاؤوا في حالة إندلاع الخصومات والخلافات الشخصية. عملية إستدعاء العشيرة تسمى باللهجة العراقية (الفصل العشائري) حيث يستدعي كل من طرفي النزاع عشيرته ليتم الإجتماع في مكان معين ويتخلل الإجتماع افتخار كل طرف بقوته و تنطلق التهديدات بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أن يتم التوصل للغرض المنشود وهو الحصول على المال من الطرف الاخر، و لا تقتصر الأسباب على الامور الجنائية بل يتعداها لمواضيع مثل (التعدي على الأعراف العشائرية !!)

للأسف هذه الممارسات الغير أخلاقية تقوض من سلطة القانون بشكل رهيب و تعطي التجمعات القبلية المتخلفة دينيا وإجتماعيا وعلميا السطوة للسيطرة على المجتمع وإبتزاز العوائل المسالمة مادّيا.
نعرف إن العراق يعاني من سرطانات متعددة تتكامل فيما بينها، فمن الفساد إلى التخلف الديني مرورا بإنحدار المستوى العلمي والثقافي، لكن العشائر هي سرطان من نوع أخر، مثل الدين يقوم كيان العشيرة بإضفاء صفات التعظيم والقدسية لذاته شيئا فشيئا ليصبح مثل باقي الخطوط الحمراء التافهة بعيدا عن النقد و تحيط به قدسية زائفة كالعادة.
في عراق ما بعد 2003 والذي نستطيع إطلاق لقب (الغابة) علية بكل أريحية، العوائل المحترمة التي ليست لها صلة بالتنظيمات العشائرية ولا الميليشياوية تكون عرضة للتهديد والعنف والإنتهاكات بكل أنواعها وأشكالها. لدي صديق مسيحي في بغداد ينتمي لعائلة محترمة ومثقفة تعرض للإحتيال العشائري المقصود، حيث أثناء قيادته السيارة رمى أحد المراهقين من بائعي النفط المتجولين نفسه أمام الطريق بشكل مقصود وأوقع نفسه أرضا وإدعّى الإصابة الشديدة بعد اصطدامه بالسيارة، بعدها جاء اقاربه الذين كانوا ينتظرون المشهد من بعيد ليبدأ الصياح والتهديد وقالوا له بالحرف الواحد: (نسويها عشاير) يعني لازم نحل الموضوع بجلسة عشائرية، أجابهم المسكين بأنه مسيحي ولا عشيرة له في العراق، ولم ينفع الكلام حيث إنهم إختاروا ضحيتهم بعناية و جاءت العشيرة و أخذوا الملايين من العائلة المسكينة تحت التهديد والإبتزاز.
لي صديق اخر في بغداد كنت شاهدا على الواقعة عندما عبرت الشارع من منطقة غير مخصصة للعبور إمرأة وحصل ماحصل، تعرضت لعدة كسور في ذراعها ومباشرة حصلت الجلسة العشائرية التي لا أستطيع وصفها إلا بالمقرفة وسط الجدال الأجوف ما بين العشيرتين، يالهول المشهد.
ولم ينتهي الموضوع بملايين الدنانير التي تم دفعها مقابل عدم إيذاء صاحب السيارة، بل وصل الأمر إلى التهديدات المتواصلة لأشهر، ففي أحد الأيام إتصل أخو زوج المرأة التي اصيبت بالحادث وطلب من صديقي اللقاء، فتم اللقاء في مكان عام وكنت حاضرا لاننا كنا متوجسين أن يذهب لوحده في ظل وضع أمني متردي للغاية.
قال له قريب المرأة: أنا أعمل في مغاوير وزارة الداخلية و نجوت من إنفجارات لا تحصى ورأيت جثث لا تحصى ولا أخاف شيئا في هذه الدنيا (تهديدات علنية)، و زوجة أخي صحيح إنها تماثلت للشفاء لكنها تعاني الان من صدمة نفسية تمنعها من رعاية الأطفال ولهذا ترك أخي عمله ليبقى في البيت و لهذا نحتاج المزيد من النقود كتعويض لهذا الوضع الجديد !!!
نعم بكل بساطة هذا هو الفصل العشائري وهذا هو حال العراق الديمقراطي تحت سلطة الأحزاب الدينية ومراجعها العظام. علينا كعراقيين إذا ما أردنا أن ننهض بالبلد أن نشخص الأمراض السرطانية المنتشرة والتي تنهش المجتمع بشكل رهيب، وبعد مرحلة التشخيص يجب أن تأتي مرحلة الإستئصال وبكل حزم، إستئصال المنظومة الدينية المتعفنة والمنظومة العشائرية المتخلفة و حصر دورها في دور العبادة والمضائف فقط.
يقول سيد القمني (لا يجب إدخال الدين في مشتركات الحياة، وتعريف المشترك هو كل مكان يشترك فيه المواطنون بشكل عام ويشمل الشارع، المدرسة، مؤسسات الدولة الاخرى حيث يجب أن ينحصر في دور العبادة).
وأنا اود أن اضيف إن هذا ينطبق أيضا على مفهوم العشيرة الذي يضعف أواصر المواطنة ويقوي الأواصر القبلية الرجعية، فخطر العشيرة لا يقل عن خطر الدين لأن الإثنين من العوامل المفرقة مابين البشر وليست من العوامل الموحدة.
رأيك مهم، نتمنى منك قراءة التالي:
صديقي/صديقتي، التعليق في موقع صوت العقل متاح للجميع و نحن ملتزمون بنشر جميع التعليقات خلال فترة قصيرة جدا، الغرض من اتاحة هذه الخاصية هو لاثراء المواضيع و ممارسة حرية النقاش البناء و طرح الاراء لاننا نقدس العقل و ما ينتج منه عنه اراء، لذلك نتمنى من الجميع الالتزام بالنقاط التالية قبل التعليق: