---

أعتقد ان أهمية المال للإنسان هي شبيهة بأهمية الطعام للجسد، تماما كيف اننا لانستطيع العيش لبضعة أيام بدون طعام، بنفس الطريقة لانستطيع الصمود بدون مال. نستطيع بكل تأكيد حلّ معظم مشاكل الحياة اذا كان لدينا مصدر جيد للكسب، وبهذا :

• لن نواجه مشاكل الحياة البدائية مثل نقص الطعام، المياه، المأوى أو الملابس.
• نستطيع شراء كل الحاجيات من أجل راحتنا مثل المنزل، التدفئة و التبريد، التلفزيون و باقي المستلزمات المنزلية.
• نستطيع الإشتراك بالكثير من الخدمات التي توفر لنا الرعاية و العيش كالملوك.

المشكلة الحقيقية

المشكلة الوحيدة هي إن المال لا يأتي لأي شخص عن طريق التمنيات و الصلاة. يجب علينا أن نعمل بجهد لمنافسة باقي البشر لنكسبه على إعتبار إن مصادر المال محدودة في عالمنا بينما الطلب عليه غير محدود. وهكذا فإن المال الذي هو عبارة عن حل لجميع المشاكل يصبح في الواقع هو جذر المشكلة لمعظم البشر لأنهم يفشلون في الموازنة مابين الربح الاستمتاع بما ربحوه. وهكذا قد نعمل طوال الليل، نقدم كافّة أنواع التنازلات و نتحمل كافّة أصناف الألم من أجل ان نجني المزيد من المال على أمل أن نستخدم هذا المال للاستمتاع في وقت ما، و في معظم الأحوال هذا الوقت لا يأتي ابدا و ربما نموت غير سعداء و غير راضين عما حققناه في حياتنا.

كيف بدأ الامر

قبل مدة كنت اتناقش مع بعض الزملاء حول هذا الموضع ” المال يفتح أبواب الحياة ” و انقسمنا مابين مؤيد و معارض لهذه الفكرة. بالنسبة لي كنت من المؤيدين لأهمية المال للحياة، قمت بسؤال المعارضين:

اذا أصابكم المرض فكيف تعالجون أنفسكم من دون مال ؟

اجابوني بان المال لا يعالج جميع الأمراض كالسرطان. برأيي ان لكل قاعدة استثناءات و اننا لا يجب ان نترك العموم و نلتصق بالشواذ، أمراض كثيرة جدا تتطلب الرعاية الطبية و المنزلية و شراء الأدوية فكيف يتم الأمر بدون مال ؟ وعلى فرض اصابة الانسان بمرض خطير لا شفاء له، ألا يحتاج للرعاية و تهيئة الأجواء الصحية ؟ حتى على فراش الموت هناك من يموت بكرامته و من يموت بذل و فقر و ألم. نستطيع المحافظة على صحتنا بوجود المال على الرغم اننا لانستطيع التحكم بها بشكل كامل، فمع نظام الرعاية الصحية الحديث فإننا ستطيع تحسين صحتنا بشكل يوصلنا للراحة، و نمط حياة بعيد قدر الامكان عن الألم، سواء كنا ننفق على التغذية و الحميات بأنواعها، التمارين الرياضية أو فقط تناول الأدوية.
يوجد حول العالم الكثير من الناس ممن يؤجلون عمل الفحوصات و المتابعات الطبية لأجسامهم لانهم لا يملكون ما يكفي لدفع تكاليف الرعاية الصحية. سألت الاصدقاء أيضا:

لماذا تدرسون و بعد تخرجكم تقومون بعمل دراسات عليا ؟ أليس من أجل كسب المزيد؟

هل هم يعرفون قيمته الحقيقة بالفعل ؟

بعض الناس يقولون ان المال غير مهم، و أنا أقول لهم دائما ” سوف تفهمون القيمة الحقيقة للمال اذا عانيتم من مشاكل اقتصادية حقيقية. تخيل يا صديقي بأنك جائع جدا و ليس لديك شيئا لتأكله و استمر الموضوع لاسبوع… كيف سيكون شعورك ؟ اذا واجهت هذا القدر الفظيع من الجوع و العوز عندها سوف تفهم المبدأ الأساسي لقيمة المال في عالمنا. تخيل أيضا صديقي ان لديك شغف بالعلم و تريد اكمال مسيرتك العلمية في الدراسة لتحقق حلمك، لكنك لا تمتلك ما يكفي لدفع التكاليف، لاتمتلك المال لشراء الكتب و المصادر و المستلزمات… كيف ستشعر حينها؟
اذا واجهت مثل هذه المشاكل اثناء دراستك فبالتأكيد ستعرف القيمة الحقيقة للمال. هناك الكثير من المواقف و القائمة تطول، و من يتكلمون بالشعارات و المثاليات حول المال فانهم بالتأكيد لم يروا الكثير من هذه الحياة لغاية الان. أنا لا أقول ان المال بحد ذاته هو شيء مذهل، لكن ما يستطيع فعله لنا هو مهم جدا. انه يعطينا الحرية و الخيارات، نستطيع أن نقرر أين و كيف نريد أن نعيش اذا كان لدينا مصدر جيد للمال. و اضيف على هذا بأن الشخص الذي يمتلك الأخلاق و المال الذي يجلب بدوره النفوذ فانه يستطيع دعم مجتمعه بشكل ايجابي على العكس من الفقير الذي يتصارع مع الدنيا لكي يداوي جروحه الخاصة.

ماذا عن الشعوب و المجتمعات؟

أنا أعتقد أن الفقر هو مستنقع مثالي لتتدهور فيه الأخلاق و تنحل فيه القيم و المبادئ و يبدأ الانسان بنهش أخيه الانسان من أجل ان يقضم منه اكبر لقمة ممكنه، و لنا في مجتمعاتنا التي تعاني من الفقر الذي أدّى للجهل و التخلف و استغلال الاخر، كيف لنا أن ننسى ماحصل لأخلاقيات شعبنا العراقي بعد فرض الحصار الاقتصادي منذ عام 1990 لغاية 2003، و هكذا عندما لا يكون لدينا مال كافي فإنه لن يتبقى هناك حرية و لا اختيارات بل تفرض الحياة نمطها القاسي علينا ولهذا نحتاج و بشدّة لتلك الأداة السحرية التي لها وقع رائع على كل شيء لراحتنا نحن كأفراد، و راحة مجتمعاتنا… انه المال …

ماذا عنكم ؟ هل أنتم من مناصري فكرة ان المال ” يفتح أبواب الحياة ” ؟ أم انكم في المعسكر الاخر الذي يقول انه وسيلة و ليس غاية ؟

---