
انفصام الشخصية الشيعية حول بشار الأسد
كعراقيين لدينا ذاكرة ضعيفة جدا، ننسى الكثير من الاحداث و الكثير عن ماضي الاشخاص و افعالهم، اليوم في العراق الجديد نجد شخص يعمل كموظف أو (مصفّق) لدى هادي العامري مثلا بينما والده كان قد تم قتله على يد ميليشيا بدر التابعة للعامري اثناء الحرب العراقية – الايرانية !! طبيعي جدا يحصل في العراق كثيرا. نجد الالاف من الشباب العراقيين يأخذون جانب ايران و احزابها و سياستها في العراق بينما ابائهم قتلوا على يد الجيش الايراني في الحرب نفسها، وهم يعرفون جيدا ان إيران الاسلامية لا تعطي قيمة لابائهم الذين قتلتهم بل تعتبرهم اعداء في الوقت الذي تعطي قيمة عظمى لقتلاها، ايضا طبيعي جدا في هذه الايام، انه انفصام الشخصية الشيعية .

من بين كومة من هذه المواضيع الكبيرة التي لا يمكن لأي شعب حي واعي أن ينساها بسهولة، موضوع ( انفصام الشخصية الشيعية حول بشار الأسد ). لو رجعنا بذاكرتنا المتعبة الى الأشهر الاولى بعد سقوط نظام صدام عام 2003 لاسترجعنا شريط الاحداث القاسي من الفوضى، السلب و النهب، انعدام القانون، و الموضوع الأقسى هو تنامي الفكر الارهابي و عملياته الاجرامية التي استولت على المناطق السنية كالوباء و ضربت التجمعات الشيعية بضربات ترقى الى مستوى الابادة الجماعية. بعد أن اسقط الامريكان نظام صدام حسين و طرحوا فكرة الشرق الاوسط الديمقراطي الجديد الذي سيمر قطاره بدول من محور الشر مثل ايران و سوريا. هل ننسى كيف تعامل نظام بشار الاسد مع هذا الموضوع ؟
هل نسى شيعة العراق ماذا فعل نظام بشار الاسد بهم؟
نظام بشار الأسد هو المسؤول الأول عن تشكيل و إدامة الخلايا الارهابية التي استوطنت و استفحلت بالعراق بطريقة مخابراتية خبيثة وضعت العراق و شعبه مثل كبش الفداء من أجل ان يستمر نظامه بالعيش، تماما كما يفعل اليوم عندما أحرق سوريا و حولها الى حطام من أجل ان يستمر نظامه. نظام بشار اللأسد متمثلا بالمخابرات السورية شكّل المجاميع العنيفة التي عصفت بالمدنيين و العسكريين العراقيين على حد سواء تحت مسميات مختلفة : تنظيمات بعثية، اسلامية اخوانية، اسلامية تكفيرية … الخ. لا يختلف اثنان ان سوريا الدولة البعثية المخابراتية البوليسية التي لا يدخلها شخص من دون علم اجهزة الدولة، كانت قد اصبحت المحطة التي يتجمع فيها المتطوعين للجهاد في العراق، يتدربون و ينتظمون في سوريا، ثم يدخلون العراق عبر الحدود العراقية السورية السائبة ليحولوا النهار الى ظلام و الليل الى جحيم، بالنسبة لي لا استطيع ابدا أن انسى تلك الايام.
كمّاشة تبادل الأدوار التي لعبها النظام الايراني الذي تولى مهمة انشاء و إدامة الميليشيات الشيعية، و النظام السوري الذي تولى الجماعات السنية من الناحية الاخرى،حفّزت الاقتتال الداخلي الذي حصد أرواح العراقيين و جيوش الاحتلال على حد سواء. النظام السوري الذي اتحدث عن دوره اليوم مسؤول عن تنظيم عشرات التنظيمات الارهابية و إيواء قادتها أذكر أبرزها على سبيل المثال لا الحصر من أجل تنشيط ذاكرتكم يا عراقيين:
- الجيش الاسلامي
- جيش الراشدين
- الجبهة الاسلامية للمقاومة العراقية – جامع
- جيش انصار السنة
- جيش المجاهدين
- تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين
- التنظيمات و الجماعات البعثية
- مجلس شورى المجاهدين
- جيش الطائفة المنصورة و غيرها العشرات من العصابات التي أوغلت في الدماء.
من المتهم الرئيسي للارهاب في العراق الى مدافع عن المذهب
ذبح قتل تفجير اغتيال تهجير و تدمير استمر لسنوات عجاف، اشتكى على اثرها العراق متمثلا بحكومة قرقوزات الاحزاب الاسلامية الى مجلس الأمن و اتهموا سوريا اتهاما صريحا بدعم الارهاب في العراق، حيث تم طلب تشكيل محكمة جنائية دولية للنظر في التعديات السورية. عملت بحث شامل للمواضيع و الأخبار من تلك الفترة ووجدت أغلبها تم حذفه و اختفى بفعل التقادم و التقارب الجديد بين أعداء الامس اصدقاء اليوم. كيف للشيعة ان ينسوا كل هذا و يتحالفوا مع نظام بشار الاسد البعثي الارهابي كما كانوا يسمونه قبل سنوات قليلة ؟ بالفعل انه جنون الدين و الطائفية الذي يغير اتجاهات البوصلة الاخلاقية، انا اعرف ان السياسة لا مباديء لها والسياسيين لدينا يحملون قدرا كبيرا من القذارة و التلون، لكن الشعوب؟ اذا كنتم لا تعطون قيمة لدمائكم التي اريقت فكيف تريدون من الاخرين ان يحترموا قيمتها؟. اليوم بشار يعتبر أحد الخطوط الحمراء الجديدة و تيجان الراس لدى الشيعة العراقيين و كثير منهم يتدافع للتطوع للدفاع عن هذا النظام و التدخل في شأن بلاده الداخلي تحت يافطة حماية المقدسات و الدفاع عن المصالح الشيعية (مقابل الرواتب التافهة). كلها العاب مخابراتية و مصالح تحت غطاء الدين و الطائفة، إنه الجنون بعينه و لا استطيع تفسيره الا ب انفصام الشخصية الشيعية . لنستعرض هذا التصريح الواضح الذي قاله المالكي:
المخابرات السورية تمارس الارهاب في العراق بالتعاون مع تنظيمات البعث !!

هنا أرشفة لبعض الاخبار التي اختفت من أغلب وكالات الانباء العراقية بصيغة ال PDF كلمة السر لها iraq
لا أستطيع ان اقول ان انفصام الشخصية الشيعية يقتصر فقط على ايران و سوريا بل يتعدى الأمر الى قادة الاحزاب السياسية الذين ينتخبوهم في كل مرة ثم يشتكون بعدها ل 4 سنوات من الحضيض الذي يعيشون فيه بفعل الفساد و هدر الأموال، ثم ينتخبونهم ل 4 سنوات اخرى.
هناك 6 تعليق على موضوع: انفصام الشخصية الشيعية حول بشار الأسد
رأيك مهم، نتمنى منك قراءة التالي:
صديقي/صديقتي، التعليق في موقع صوت العقل متاح للجميع و نحن ملتزمون بنشر جميع التعليقات خلال فترة قصيرة جدا، الغرض من اتاحة هذه الخاصية هو لاثراء المواضيع و ممارسة حرية النقاش البناء و طرح الاراء لاننا نقدس العقل و ما ينتج منه عنه اراء، لذلك نتمنى من الجميع الالتزام بالنقاط التالية قبل التعليق:
- احترام الاخرين
- عدم الخروج خارج الموضوع
- يمنع النسخ و اللصق منعا باتا
- في حالة رغبتكم بادراج مصدر يمكنكم وضع الرابط له في التعليق
“نظام بشار الأسد هو المسؤول الأول عن تشكيل و إدامة الخلايا الارهابية التي استوطنت و استفحلت بالعراق”
ولكن ماكان هدف نظام الأسد حينذاك؟
الأخ قيس،
هدف النظام السوري ذكرته واضحا في المقال هو افشال اي تجربة ديمقراطية أو امريكية في العراق البلد المجاور صاحب الحدود والمشتركات الكثيرة مع سوريا، ثم نحن لانستطيع التكهن بما يدور في خلد أقبية المخابرات السورية القذرة. المهم هي النتيجة…
شكراً أخي مصطفى. فعلاً لقد لعبت التركيبة الدينية دوراً بارزاً في صراع الحضارات وتأجيج الصراعات والاقتتال في المنطقة ما أدى إلى حدوث تراجع كبير على جميع المستويات في العالم العربي. يُضاف إلى المشكلة السابقة أن الدول العربية والإسلامية، سواء كانت ديمقراطية أو خاضعة للديكتاتورية، تنجرف في عزل جماعات سياسية أو دينية أو فئة اجتماعية أو أقلية قومية معينة، وهذا يتحول إلى مدخل لاهتزاز بنيانها. في هذه الدول ترتفع وتيرة الاستماع لصدى السلطة في المجتمع، مما يخلق حالة من حالات الإرهاب الفكري والجماعي. وقد أدى هذا العزل إلى خلق حالة اغتراب بين فئات واسعة والدولة. هذا فخ يقع فيه العالم العربي، وقد شاهدنا درجات من هذه الإشكالية في بعض أكثر الديمقراطيات تقدماً.
إلا أن القضية الحقوقية والتنموية ومسألة العدالة ودور الدولة ستبقى تشغل النشطاء والثوريين والإصلاحيين العرب – بعكس الإسلاميين والمتدينين – إلى حين التوصل لعقد اجتماعي جديد يوازن بإبداع بين حقوق المواطنين والشعوب وكراماتهم وتنمية البلاد من جهة ودور الدولة وسلطة القانون ومكانة الجيوش والأمن من جهة أخرى. وطالما بقيت الجماعات الدينية والطائفية من مختلف المذاهب والملل، بما فيها النظام السوري العلوي، تتدخل في السلطة فسوف يبقى العالم العربي في لحظة اضطراب وانتقال، وهذه اللحظة تتكون من سنوات شاقة وحروب عبثية ونزاعات لا تنتهي. وفي ظل هذه الأجواء فإنه لا يمكن أن تتقدم التجربة الديمقراطية في مجتمع ما من دون مساحات عامة مفتوحة ومن دون أفق للانتقال نحو واقع سياسي ديمقراطي أكثر استيعاباً لكل الفئات بعيداً عن عمليات الفرز الديني والطائفي كما يحصل الآن في معظم الدول العربية. لكن في غياب ذلك تبقى المفاجآت ممكنة والتحولات غير مرئية للنظام السياسي كما للرأي العام.
وأخيراً أضيف هنا أنه وللأسف، رجال الدين وما يسمى بأفراد الدعوة مشغولون اليوم في تحريم الاحتفال بعيد الحب في 14 فبراير أو حتى تبادل الهدايا والورود الحمراء بهذه المناسبة، كعادتهم كل سنة، فيما يبيحون القتال وقطع الرؤوس والأعضاء البشرية، ورجم النساء بحجة الفجور، وتصفية المعارضين والمخالفين لهم بأبشع الأساليب إكراماً للإله كما تصور لهم عقولهم الغارقة في بحر الظلام.
استاذ شفيق اتفق معك جملة و تفصيلا، للأسف كل ما ذكرته حضرتك صحيح و الاصلاح اصبح صعب جدا في مجتمعاتنا و الحل يكمن برأيي بالابتعاد عن الدين و القبيلة و يتجه المجتمع الى الدولة التي تخدم الفرد و ليس المجاميع دينية كانت او طائفية او عرقية. انا ممتن جدا لمرورك و ما كتبته اعتبره اضافة لا تقدر بثمن للموضوع بشكل خاص و لمدونتي البسيطة عموما.
تقبل خالص التحية.
عزيزي مصطفى فارس المحترم: لقد أصبحت القضايا والأمور المرتبطة بالرئيس والنظام السوري وعلاقاته المكشوفة مع الأنظمة المستبدة في المنطقة مثل إيران أمراً مقرفاً وكئيباً. في كل نقاش حول تعايش الديمقراطية في العالم العربي تتعايش مفاهيم متناقضة، فهناك رأي يركز على ضرورة عودة الدولة بما تمثل من احتكار للجيش وللقوى الأمنية وذلك في ظل السيادة وسلطة القانون. فغياب الدولة وفق هذه الرؤية يؤدي إلى الاقتتال واستباحة الحدود ويفتح الباب للتقسيم. لكن رأياً آخر في العالم العربي يستند إلى الكثير من المنطق يؤكد بأنه لولا النظام السياسي العربي الذي سيطر على الدولة واستفرد بالثروة والقرار والاقتصاد وزرع الفساد وتلاعب بالمكونات والهويات الصغرى ثم قلص المساحات الحرة والحقوقية لما انتهى العالم العربي منهاراً وخاضعاً أمام القوى الخارجية. فالدولة في معظم البلدان العربية لم تقم بواجباتها كدولة ذات سيادة تجاه المواطنين، فهي لم تكن فعالة في التنمية والإدارة والحوكمة (إلا ضمن استثناءات وفي مراحل محددة)، ولم تكن فعالة في التعامل مع الخارج وفق مقتضيات السيادة، كما لم تكن فعالة في الوقت نفسه في تأمين الحريات والحقوق وسيادة القانون بعدالة ومساواة. لهذا انتهى الأمر في الدولة العربية بإنضاج فعاليتها الأوسع من خلال ممارسة أحد وظائف الدولة بلا محددات أخلاقية: القمع والانتهاك باسم القانون. لهذه الأسباب انهارت الدولة في الكثير من بقاع العالم العربي والإسلامي، وأصبحت الحلول المقترحة مجرد حبراً على ورق بلا هدف. وشكراً
استاذ شفيق،
كلام رائع و اتفق معك جملة و مضمونا، الأنظمة التي تحكمت بدولنا منذ نشأتها الحديثة مطلع القرن العشرين و حتى نهايته هي المسؤولة عما حصل للمنطقة، لكن اعتقد انه يوجد هناك عامل خفي اخر و هو التركيبة الدينية و طبيعة المعتقدات التي تؤمن بها شعوبنا، هذه المعتقدات تقف أمام النهضة و التطور بشكل دائم و أي نظام اذا ما حاول ان يخطو خطوات جدية في ماراثون التقدم و الابداع فانه سيصطدم لا محال بالشعب المتدين و كهنته و هو ما سيولد التنافر و القسوة بالتعامل و ينتهي المطاف للدولة البوليسية القمعية المشوهة مثل دولنا الحالية. لا بد من وجود عامل مشترك يجمع دولنا المتخلفة اذ غير من الممكن ان تكون الصدفة هي من أدى بعشرات الدول الاسلامية (الغالبية العظمى للدول الاسلامية) الى ان تستمر بالانحدار و التخلف عن الركب العالمي.
تقبل تحياتي و شكرا لمرورك القيّم.