
صعوبة تطبيق العلمانية في المجتمعات الإسلامية
كنا نقول دائما ان أفضل الحلول لمجتمعاتنا الإسلامية هو تطبيق مبدأ (العلمانية) للفصل بين الدين والسياسة وتطبيق العدالة على جميع مكونات الشعب بإختلاف مشاربهم الإثنية والقبلية وأهم شيء، الدينية. انه أشبه بحلم ودواء سحري لجميع مشاكلنا وخصوصا في دول تضم قوميات وأديان مختلفة مثل العراق، سوريا، ومصر على سبيل المثال لا الحصر. لكن هل هذا ممكن؟ وهل الدول الإسلامية التي تقول انها تطبق العلمانية هي بالفعل دول علمانية؟
للأسف إذا ماوضعنا (تركيا) جانبا لانها استثناء مثير للإهتمام يحاول الرجوع للماضي ساتطرق اليه لاحقا، وأخذنا جميع الدول الإسلامية التي تصف نفسها بالعلمانية فسنجدها تسير على نظام مشّوه ضعيف بعيد عن العلمانية في أحسن الأحوال، تأخذ بعضا من القوانين الانكليزية أو الفرنسية ثم تخلطها مع نصوص قرانية وسيرة محمدية مضى عليها 1400 عام لتنتج لنا دستور قبيح من اولى فقراته (الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع)!!!…
لنقرأ على سبيل المثال بعضا من كلمات دستور مصر الدولة التي تحتوي نسبة كبيرة من المسيحيين الأقباط:
من ديباجة الدستور المصري الحالي: وحين بُعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، للناس كافة، ليتمم مكارم الأخلاق، انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض للجهادا فى سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين. المادة 2 من الدستور المصري: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
دول تأسست على نظام هش مزقها الدين
كيف سيشعر المواطن الغير مسلم بالإنتماء لهذا النظام؟ العراق أيضا كدولة حديثة مثلا تأسس في العشرينات على أساس علماني،هذا البلد الذي نشأ حصيلة لنوبة جنون أصابت تشرشل الذي اراد الجمع بين حقلين للنفط لايوجد بينهما أي قاسم مشترك: كركوك والموصل.
ولهذا السبب تم الجمع بين ثلاثة من الشعوب التي لايجمعها جامع: الأكراد، السنة، الشيعة (1). سار البلد الجديد عدّة عقود جيدة ثم مالبث المد الإسلامي أن أوقف هذه المسيرة بكل سهولة. فما أن نشبت حرب الخليج الثانية حتى تحول صدام الى العزف على النغمة الدينية وأضاف كلمة (الله أكبر) الى العلم العراقي وبدأ بمشروع الحملة الإيمانية التي خرّجت لنا الاف المعممين وبنت لنا مئات الجوامع التي بان تأثيرها واضحا اليوم، كل هذا من أجل أن يستقطب مشاعر المسلمين ليساعدوه في حربة مع الامريكان، وبهذا تم استعمال الدين كالمعتاد لأغراض سياسية.
هل ننسى دور المؤسسة الدينية الشيعية في خلخلة أسس النظام وزعزعة استقرار العراق؟ أقتبس هذه السطور التافهة المثيرة للسخرية من الدستور العراقي:
وَاسْتِجَابَةً لدعوةِ قِياداتِنَا الدِينيةِ وَقِوانَا الوَطَنِيةِ وَإصْرَارِ مَراجِعنا العظام وزُعمائنا وَسِياسِيينَا……
المادة (2): اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع.
أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
نفس الموضوع بالنسبة لمصر مثلا التي تترنح مابين إرضاء الأزهر ومنظومته الفاشية الإرهابية وبين السير على خطى العالم المتحضر الذي يبتعد شيئا فشيئا عن العصبية الدينية والقومية ويتجه نحو إعطاء قيمة كبيرة الى الإنسان لذاته وأخلاقه ومايحمله من إمكانيات. الأردن أيضا الذي يحاول قدر الإمكان منذ تأسيسه الحفاظ على استقراره واستمرار حكم العائلة المالكة رغم كل الأحداث العاصفة التي ضربت المناطق المجاوره له، لايزال أسير القبلية والتشدد الديني في كثير من الحالات وجرائم الشرف خير دليل.

لا استثناء
كل الدول العربية والإسلامية أصبحت اليوم تعاني ووصلت الى معادلة مميته ومدمّرة وهي حمل وجهين مختلفين كليا، الوجه الأول يتم إظهاره للعالم الخارجي والذي تظهر فيه حكوماتها بمظهر الحداثة وحب السلام والخوف على الحريات العامة، والوجه القبيح الاخر الذي تتساهل فيه مع المتشددين وأصحاب العمائم والمؤسسات الدينية بمختلف توجهاتها ليتم قمع الحريات وانتهاك خصوصيات الفرد والتساهل مع الجرائم التي يقوم بها المتدينون في العموم.
للأسف التشدد الديني الإسلامي متمثلا بالمؤسسات الدينية إستطاع حماية نفسه من جميع المؤثرات التي تدعو للتحديث والإرتقاء، فكلما مرت تجربة علمانية ولو كانت مؤقتة على مجتمع مسلم، سرعان ماتظهر القلاقل والمشاكل والاضطرابات لتبدأ الدولة بالغليان بسبب التداخلات والشحن الديني المستمر الذي يهيج الشعب المسلم ضد نظام الحكم العلماني (الكافر)، و سرعان ماينهار هذا النظام ليرجع المجتمع الى حالة من التدين بشكل أشد تطرفا من السابق.
ماذا نحتاج قبل تطبيق العلمانية؟
بإعتقادي ان المجتمعات الاسلامية تحتاج الى مرحلة تحضيرية قبل ان يتم تطبيق العلمانية، وهي مرحلة ترويض الدين وقص مخالبه التي تعطيه القوة لمواجهة الإصلاح، أوربا لم تتخلص من سطوة الكنيسة بتطبيق العلمانية مباشرة بل سبقها مراحل من التنوير والتضحيات والكثير الكثير، ولهذا برأيي الشخصي أن النظام العلماني هو نظام متطور لايصلح لتطبيقة بشكل مباشر على مجتمعات ينخرها الدين ولا يحمل الناس فيها الوعي والإرادة اللازمة للانتقال الى مرحلة جديدة من الأنظمة المتقدمة.
هذا يخلق تشوها تماما كما هو الحال اليوم. أستطيع أن اشبه هذا الأمر بالطفرة التكنلوجية التي عاشتها شعوب الصحراء مباشرة من دون مرحلة وسطية تمهيدية والنتيجة ظاهرة للعيان :).
مصادر:
(1) كتاب (حرب الخليج – الملف السري) للكاتب الفرنسي اريك لوران
هناك 1 تعليق على موضوع: صعوبة تطبيق العلمانية في المجتمعات الإسلامية
رأيك مهم، نتمنى منك قراءة التالي:
صديقي/صديقتي، التعليق في موقع صوت العقل متاح للجميع و نحن ملتزمون بنشر جميع التعليقات خلال فترة قصيرة جدا، الغرض من اتاحة هذه الخاصية هو لاثراء المواضيع و ممارسة حرية النقاش البناء و طرح الاراء لاننا نقدس العقل و ما ينتج منه عنه اراء، لذلك نتمنى من الجميع الالتزام بالنقاط التالية قبل التعليق:
- احترام الاخرين
- عدم الخروج خارج الموضوع
- يمنع النسخ و اللصق منعا باتا
- في حالة رغبتكم بادراج مصدر يمكنكم وضع الرابط له في التعليق
اذا ما بتفيد المجتمع لا تضرهم. ليش حنا بالاساس ندمج الدين بكل شي بحياتنا الاجابه بسيطه لانه هدفنا اكبر من رقي الدوله هدفنا اكبر وهو انه نرتقي للابد وذا ما يمكن الا بالاخره. لو النتائج ما ظهرت مبكرا ذا لا يعني فشل الدين وانما فقط ان في ناس ما اتبعوا تعالميه بصوره الصحيحه. باتباع تعاليم الاسلام نضمن رضا الله والاخره واذا الله معنا مهما قاسينا نحن بننتصر باختصار. وما اعتقد الاسلام امر باقيموا حروب بل امر بان لي يقتل مسلم عمدا يقام عليه الحد ويخلد في جهنم اذا ما تاب والله يبغض كل من يعيث بالارض الفساد ولو كان يصلي يصوم الظلم ظلمات يوم القيامه. يعني لو اتبعنا تعالميه بصوره صحيحه فبنستنتج انه المسلم الحقيقي ما يقتل ولا يصنع الحروب لاجل الفتن انما للدفاع يعني لا تلقي تهمك على الدين.